في بعض الأحيان يتأخر الحمل عند بعض السيدات، أو يحدث الحمل لكنه لا يكتمل ويجهض ، وعندما يتم فحص هذه السيدة أو تلك ، يخبرها الطبيب بأن إصابتها بالعقم أو عدم اكتمال الحمل يعود إلى مرضها بأحد الأمراض المناعية، فما هي هذه الأمراض المناعية، ومسؤوليتها عن العقم أو إجهاض الحمل؟ وهل ثمة علاج لها؟
د.محمد فؤاد استشاري أمراض النساء والولادة والعقم بمستشفى الحمادي بالرياض، يجيب على هذه التساؤلات ، فيقول : قال الله تعالى في كتابه الكريم :{ يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيما } ، وفي ضوء هذا يعتبر الأطباء عدم القدرة على الإنجاب Reproductive failure ، تعني إما الفشل في حدوث حمل أو الفشل في إتمام الحمل حتى ولادة طفل حي كامل النمو .
ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى عدم القدرة على الإنجاب أمراض المناعة ، فمن معجزات الخالق العظيم أنه في الحمل الطبيعي تعتبر استجابة السيدة الحامل للجنين خارجة عن قانون الطبيعة العادية ، فمن المعروف أن الجسم البشري يرفض ويلفظ أي نسيج غريب يدخل في جسمه ، فمثلاًَ إذا تم نقل كلية إلى مريض فلا بد أن تتوافق أنسجة هذه الكلية مع أنسجة الشخص المنقولة إليه ، وإلا رفضها الجسم ، وما يحدث أثناء الحمل فهو عكس ذلك تماماً ، فالمفروض أن أنسجة الحمل ( المشيمة – الجنين ) تعتبر أنسجة غريبة على جسم الأم الحامل، حيث إنها تحمل نصف صفات الأب والنصف الثاني من الأم ، وبهذا تعتبر (Allograft)، والقاعدة العلمية تقول إنه لا بد من رفضها وطردها من الجسم ، وهذا ما لا يحدث في الحمل الطبيعي ، ولكن في الحقيقة يتقبله الرحم ويغذيه حتى يكون جنيناً كاملاً حتى الولادة.
ولأسباب ما فإن جهاز المناعة في السيدات قد لا يستطيع أن يقوم بهذه الوظيفة ، فتصبح الحيوانات المنوية والبويضة الملحقة أو الجنين في مراحله المختلفة جسماً غريباً على الجسم ويرفضه ويطرده من الجسم وينتج عن ذلك إما عقم وعدم حدوث الحمل ، أو عدم القدرة على إتمام نمو الجنين ويتم إجهاضه أو وفاته داخل الرحم.
من الأسباب الواضحة التي تحول دون قدرة جهاز المناعة على أداء وظيفته في تقبل الحمل:
1- مضادات الفسفولبيد : Antiphospholipid antibodies *، والأجسام المضادة الفسفولبيد تمثِّل مجموعة تقرب من 20 جسماً مضاداً تهاجم البروتينات التي تحمل شحنات سالبة من الفسفولبيد ولكن من الناحية العملية فإنه يتم الكشف عن نوعين فقط من هذه الأجسام المضادة وهما : عامل تجلط لبوس Lupus anticoagulant ،والأجسام المضادة للكاردوليبين anticaudiolipin antibodies بنوعيها G and M .
ومن المؤكد وجود علاقة بين هذه المضادات وبين الإجهاض المتكرر ، حيث إن هذه الأجسام المضادة تمنع التصاق البويضة المنقسمة بجدار الرحم وكذلك تؤثر على تكوين الأنسجة المشيمية في بداية الحمل كما أنها تكون تجلطات في الأوعية المشيمية في مراحل لاحقة من الحمل وقد وجد تحسن كبير في علاج هذه الحالات بأسبرين الأطفال والهيبرين وأمكن علاج كثير من الحالات وتم اكتمال الحمل معها وأعطت مواليد حَّية وكاملة النمو ، أما فيما يتعلق بعلاقة مضادات الفسفوليد والعقم ( عدم حدوث الحمل ) أصلاً ، فإن معظم الدراسات تقرر وجود هذه الأجسام المضادة* في بعض حالات العقم التي تجري عمليات أطفال الأنابيب التي تفشل في إنتاج حمل.
2- الأجسام المضادة ضد هرمون الغدة الدرقية : بعض الدراسات تتهم هذه الأجسام المضادة بأن لها علاقة بالخلل في وظائف الخلايا المناعية - Cell T ، وبذلك تؤثر في التصاق الجنين بالرحم وقد تسبب تكرار الإجهاض لكن ما زال هذا النوع من الأجسام المضادة يحتاج إلى المزيد من الدراسات *والأبحاث .
3- الأجسام المضادة لأنسجة المبيض : هناك مجموعة من الأجسام التي يفرزها جسم المريضة ولديها القدرة على مهاجمة أنسجة المبيض والتي قد تسبب تدمير المبيض ودخول المريضة في مرحلة سن اليأس مبكراً* وقبل أوانه وبذلك يؤدي إلى حدوث عقم وفقد القدرة على الإنجاب لكن هذه الأجسام لن تتسبب في حدوث إجهاض إذا حدث حمل .
4- الأجسام المضادة التي تهاجم نواة الخلية البشرية : وهذه الأجسام المضادة تهاجم نواة الخلية وقد تتسبب هذه الأجسام المضادة في تكرار الإجهاض لكن دورها في العقم لم يثبت حتى الآن .
5- الأجسام المضادة للحيوانات المنوية : ويمكن وجود هذه الأجسام المضادة في دم كل من الأنثى والذكر أو في إفرازات الجسم مثل إفرازات عنق الرحم وإفرازات المهبل لدى الأنثى أو في إفرازات الغدة المنوية الذكرية وما زال هناك جدل في دور الأجسام المضادة للحيوانات المنوية وعلاقتها بالعقم والإجهاض المتكرر وبناء عليه فآخر التقارير الطبية أثبتت أن استخدام العازل الذكري أثناء العلاقة الزوجية أو عمليات التلقيح الصناعي لم تستطع أن تحسن من معدلات حدوث الحمل في الحالات التي تعاني من العقم بسبب وجود أجسام مضادة للحيوانات المنوية وما زال هناك اختلاف بين الأطباء فمنهم من يؤيد استعمال الكورتيزون ومنهم من يرفضه في علاج مثل هذه الحالات.
ويدخل ضمن أسباب عدم حدوث الحمل أو عدم اكتماله أيضاً تشابه عوامل الوراثة للأنسجة بين الزوجين :(Shared paternal human Leucocytic antigens) ، حيث إن الجينات المسئولة عن الصفات الوراثية للأنسجة* (HLA)* تؤثر على العقم والإجهاض المتكرر، فكلما قرب التشابه بين الزوجين في نوعية جينات الأنسجة (Increased HLA Sharing) زاد احتمال الإجهاض ذلك لعدم تفاعل الجهاز المناعي بالشكل الصحيح مع أنسجة الحمل ومن هنا نشأت فكرة العلاج عن طريق تنشيط الجهاز المناعي بحقن خلايا دم الزوج في الزوجة (Lymphocytic Immune therapy) لكن ما زالت نتائج هذه الوسيلة في العلاج غير مرضية ومكلفة ولها آثار جانبية كبيرة.
وحول وسائل العلاج المتاحة لهذه الأجسام المضادة يقول د . محمد فؤاد : من أكثر الطرق المتبعة حالياً العلاج بالكورتيزون والأسبرين والهيبرين : وذلك من خلال تأثيرها على استجابة جهاز المناعة لكن نتائج العلاج بالكورتيزون تعتبر قليلة إذا قورنت بالعلاج عن طريق الأسبرين مع الهيبرين ، حيث إن استعمال الأسبرين بجرعات صغيرة أعطى نتائج جيدة وذلك عن طريق تأثيره في عمل الصفائح الدموية* ومنع تجلطها وقد أثبت استعماله في حالات تكرر الإجهاض نتائج جيدة إذا استعمل بمفرده أو بالمشاركة مع الهيبرين ، أما استعماله في علاج حالات العقم فهناك اختلاف في وجهات النظر والنتائج في ذلك، وبالنسبة للعلاج بالهيبرين فتعتمد فكرة استعمال الهيبرين على قدرته على الاتحاد مع الأجسام المضادة للفسفولبيد علاوة على قدرته على منع تكون جلطات في أنسجة المشيمة ، وقد أعطي نتائج مرضية جداً خاصة إذا أعطي معه الأسبرين في علاج حالات الإجهاض المتكررة أو موت الجنين داخل الرحم نتيجة لقصور الدورة الدموية في المشيمة ، لكن ما زال دوره في علاج حالات العقم غير مؤكد وقليل الفائدة ، وهناك أيضاً العلاج عن طريق الحقن الوريدي للجلوبيولين immunoglobulin **I.V. ، وهذا المستحضر له القدرة على التعامل مع المواد المفرزة من التفاعلات المناعية لكن استعماله غير منتشر ومحدد فقط للحالات التي لا تستجيب للعلاجات السابقة وما تزال النتائج تحت البحث والدراسة .
وما زالت الأبحاث والدراسات تجرى في مجال علاقة المناعة بالعقم والإجهاض وعدم إتمام الحمل في محاولات للخروج بنتائج أفضل.